ولد هذا الفن في القرن الرابع للميلاد مع تحول الإمبراطورية الرومانية الشرقية إلى المسيحية واعتبارها الديانة الرسمية للإمبراطورية. ويعتبر الفن البيزنطي أصدق مرآة للكيان المركب الذي كانت تتألف منه الحضارة البيزنطية، حيث تآلفت السمات وميزات الفنون الإغريقية والرومانية مع فنون الشام ومصر وفارس، وهي تمتزج بنسب متفاوتة، ولكنها ممتزجة امتزاجاً تاماً يخلق منها كلاً متكاملاً، وقد كان هذا الفن بجوهره فناً دينياً صبغ أسلوب الحياة في المشرق القديم بصيغته المسيحية لقرون عديدة قبل أن يرث قواعده وقوانينه الفنانون العرب والمسلمين.
لم يكن الفن البيزنطي في بداياته مسيحياً صرفاً، إذ أن مواضيعه التصويرية خصوصاً اشتملت على العديد من العناصر المستقاة عن الفنون الكلاسيكية والإسطورة اليونانية والتي عُبر عنه بشكل فني من خلال الأساليب الهلنستية والأيكونغرافيا. لم يفقد فن بيزنطة تراثه الكلاسيكي أبدًا، فقد زُينت عاصمة بيزنطة، القسطنطينية، بعدد كبير من المنحوتات الكلاسيكية، رغم أنها أصبحت في نهاية المطاف موضوعًا يثير الحيرة لبعض من سكانها (مع ذلك، لم يُبدي المشاهدون البيزنطيون أي علامات حيرة تجاه الأشكال الأخرى من الوسائط الكلاسيكية، مثل لوحات الحائط).
يُعتبر أساس الفن البيزنطي موقفًا فنيًا أساسيًا اتخذه الإغريق البيزنطيون، مثل أسلافهم القدامى، «الذيم لم يكتفوا بالأشكال لوحدها بل حفزتهم العقلانية الفطرية، فوهبوا هذه الأشكال حياةً من خلال ربطها مع محتوى ذي معنى». على الرغم من تميز الفن الذي أُنتج في الإمبراطورية البيزنطية بالإحياء الدوري للقيم الجمالية الكلاسيكية، إلا أنه ومع دخوله في فترة القرن السادس للميلاد بدأ بالتمايز عن ماسبقه بتطوير قيمة جمالية إضافية جديدة حددتها نزعته «التجريدية» الواضحة. فإذا كان الفن الكلاسيكي متميزًا بإنشاء تصوير يحاكي الواقع بأكبر قدر ممكن، يبدو أن الفن البيزنطي قد تخلى عن هذه المحاولة لصالح نهج أكثر رمزية.
عبّر المصورون عن موضوعاتهم المسيحية المصورة بوسائل عدة منها: التصوير الجداري والأيقونة والمخطوطات، ولاسيما الفسيفساء التي تعد من أجمل مظاهر الفن المسيحي البيزنطي، ومن أهم الفنون المكملة للعمارة في الكنائس. ففي عصر كان الفكر فيه يتطلع إلى ما وراء عالم الحقيقة، كانت الفنون التصويرية الوسيط المثالي للإيحاء برؤى عالم الغيب الميتافيزيقية وتوجيه الفكر نحو عالم الروحانيات غير الملموس.
بالتوازي مع ذلك، انتعشت الحياة الفكرية وحركة التدوين بنتيجة نمو الإمبراطورية المتزايد وتضمنت هذه الفنون المخطوطات المصورة (ترقين الكتب وزخرفتها ـ المنمنمات)، والتي كتبت بالسريانية على البردي أو رق الغزال، فظهرت معامل للرقوق في أنحاء كثيرة من بلادهم، ولا سيما في مدينة جبيل (بيبلوس) وفي الرها وفي قرتمين بطور عبدين وغيرها. يتداخل في صور مخطوطات العصر البيزنطي المسيحية والمدنية أسلوبان: الأول أسلوب تصويري عُرف في مصر وفي العالم الاتباعي (الكلاسيكي)، والثاني أسلوب متأثر بالتقاليد الشرقية السورية، فمن أرض الجزيرة وسورية جاءت الصور والرموز التي كانت لها الغلبة في الكتابة التصويرية التي ذاعت في العالم البيزنطي، وقد تكررت هذه الكتابة في الفنون الصغرى واتخذت لها آلاف الأشكال حتى ثبتت وأصبحت تقليداً وعرفاً متبعاً.
فهرس المعروضات
فهرس معروضات العصر البيزنطيBisher2021-02-24T19:56:31+00:00